قد تختلط المتابعة السياسة بالمتابعة الاستخباراتية، وقد يتداخل التحليل السياسي مع تحديد الموقف السياسي، وقد يؤدي التفكير السياسي إلى حجب صاحبه عن العمل السياسي المنتج.
هذه أبعاد ملاحظة في متابعة الوقائع السياسية الساخنة في العراق وفي فلسطين على حد سواء، حيث يفرض التحليل السياسي على المتابع أن يسأل: من خلف ذلك؟ ولماذا تم ذلك؟ وكيف تم ذلك بهذه السهولة؟ بل وأحيانا يسأل هل تم ذلك فعلا أم هو تضخيم إعلامي لمشهد مدروس؟
وفي خضم هذه الزحمة من التساؤلات والمعلومات الموجهة، قد يغفل المتابع عن أسئلة هامة منها: ما الموقف من ذلك؟ وما الواجب تجاه ذلك؟ وهل هو عمل مشروع؟ وهل يسهم في شحن الأمة نحو تحقيق غاياتها؟
إذن نحن أمام نوعين من الأسئلة: جزء منها من وجهة تحليلية (نظرية) للأحداث، وآخر في وجهة عملية (تفاعلية) مع الأحداث، وصحيح أن الحالة الفضلى تكون باتحاد الزاويتين: أي بتوفر تحليل واضح وجلي للأحداث مع تحديد موقف قوي ومؤثر تجاهها.
لكن ذلك التحليل قد لا يكون متيسرا مع سرعة الأحداث، وخصوصا عند انطلاقها، إذ يتطلب معلومات ميدانية (صادقة) من جهة ذات مصداقية (لا من وسائل إعلام ذات أجندات صارخة)، بل قد يتطلب أحيانا معلومات ذات صبغة استخباراتية لا تتوفر للمتابعين العاديين، وقد تتوفر معلومات سياسية لجهات مخلصة لا تعلنها، وعندها قد يلجأ الناس للتخمين (والفرضيات) وهم يظنون أنهم يقومون بتحليل سياسي، ومن ثم قد يبنون مواقفهم على تلك التخمينات والتكهنات.
هنا تكمن مشكلة وتبرز إشكالية قد تؤدي إلى أن تكون الأمة في واد والأحداث في واد آخر، وقد تتمكن وسائل الإعلام من توجيه الناس إلى ما تريد، بل ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي قد يتمكن الأعداء من الحصول على معلومات مجانية –خلال تفاعل الناس العفوي مع الأحداث- وهي معلومات قد تكون ذات قيمة استخباراتية، تتناول طبيعة ردات الأفعال، وخصوصا العفوية.
لذلك كله، أردت في هذا المقال تحديد مرجعية أساسية في الوعي على الأحداث السياسية:
إن الأمة الإسلامية هي صاحبة عقيدة ورسالة تفرض عليها أن تكون أمة سياسية تسعى من أجل قضية تتلخص في تحرير بلاد المسلمين من هيمنة المستعمرين وعملائهم، وتوحيدها في كيان سياسي واحد يطبق الشريعة، وهذه الغايات الثلاث (التحرير والوحدة والشريعة) توفر للمتابع مرجعا أساسيا في النظر للأحداث الجارية، حتى في ظل غياب المعلومات التحليلية الوافية، كما في حال الشأن الجاري.
وعندما ننطلق من ذلك، نعلم أن أهل العراق مدفوعون لهبة قوية تجاه نظام عميل يحرس المصالح الاستعمارية الأمريكية، وهذه الهبة التي ينطلق فيها الرجال الغاضبون على مصالح أمتهم هي هبة مشروعة، تستوجب تأييد الأمة، وتستوجب النصح الأمين لمن ثار ضد النظام العميل، وتستوجب من العلماء والحركات توجيه الهبة توجيها سياسيا مخلصا لكيلا يمتطيها الاستعمار من جديد في ظل التزاحم على المصالح في العراق بين القوى الاستعمارية المختلفة، وخصوصا تلك التي لا يُرضيها أن تظل أمريكا صاحبة اليد الطولى والوحيدة على خيرات العراق ومستقبله.
أما تحليل من الجهة أو الجهات التي تقود تلك الهبة، فإنه قد يفضي إلى وجود أجندات وتداخلات وممارسات خاطئة، ولكن ذلك كله إذا لم يستند إلى معطيات مستقاة من الأرض (لا من الإعلام المأجور) يظل ناقصا وقد يكون خاطئا، بل قد يسهم في حرف البوصلة وفي التخذيل، وفي تمرير المصلحة الاستعمارية التي تهدف أن لا يخرج العراق عن هيمنتها. أما عندما يفتضح ارتباط جهة "ثورية" بأجندات القوى الاستعمارية –كما حصل لدى بعض الجهات في الثورة السورية- يصبح كشفها واجبا.
أما متابعة عملية خطف الجنود الثلاثة من جيش الاحتلال اليهودي المجرم، فهي تقتضي استرجاع المرجع السياسي في قضية فلسطين، وهي أنها قضية ارض إسلامية اغتصبها عدو لئيم، وفتح المجال للأمة أن تخوض تجاهه حربا جهادية تخلعه من جذوره وتنهي شروره.
وهو عدو جبان يستقوي بالقوة الرأسمالية العالمية التي تحميه، ويستأسد في ظل استنعاج حكام ربضوا على صدر الأمة الجهادية، وأبدوا كفاءة عالية في حفظ أمن هذا الاحتلال وحراسة حدوده. وهو في حالة الاستئساد الباطلة هذه ينكّل بأهل فلسطين، وقد جعلهم كلهم أسرى إما خلف القضبان أو تحت قيد الاحتلال والسلطة التي تحميه، وهو يخطف أبناء فلسطين دون رادع.
ولذلك فلا يمكن فصل أي رد فعل طبيعي من الناس ضد هذا الاحتلال المجرم عن تلك المرجعية الأساسية، وهو ما يبرز جليا في التعبير العفوي للناس. كما لا يمكن فصل خطف الجنود اليهود عن الخطف اليومي لأبناء فلسطين، وعن قضية الأسرى الذين ينكل بهم هذا العدو المجرم.
وهنا يجب التنبه لعدم الانجرار إلى ما يوجهه الإعلام في النظر لهذه المسألة من الزوايا الضيقة، ذات الصبغة الاستخباراتية أحيانا، بل يجب استحضار الحقيقة الراسخة بأن تحرير الأرض والأسرى (داخل السجون وخارجها) لا يكون إلا بالجهاد، وما يتصل به من أعمال مشروعة وفي مقدمتها تحريك جيوش الأمة الرابضة في ثكناتها ويصدأ سلاحها ولا يلمع إلا عند احتياج الحكام لبعض قوى الجيش لقمع الأمة. وهو موقف راسخ لا يتغير ولا يتبدل حتى تتمكن الأمة من تحرير كامل فلسطين وإرجاعها إلى الأمة الإسلامية.
وكذلك الأمر بالنسبة للأسرى داخل السجون اليهودية، فقضية تحريرهم واجبة على الأمة ضمن نفس الطريق الجهادي لتحرير فلسطين، وقد ثبت بالحس أن الاستجداء الذي تمارسه السلطة الرسمية وأن بكاء التماسيح لم يخدم الأسرى بشيء.
ومن الأهمية بمكان عند التعاطي مع هذا الحدث، التفريق بين الإثارة الإعلامية (والفيسبوكية) وبين شحن طاقة الأمة نحو غايتها، وأيضا لا بد من التمييز بين توفير المعلومات للناس من أجل الحيطة والحذر، وبين تخويف الناس بل وتوفير معلومات استخباراتية للأعداء، وهنا يدرك الإعلامي والمتابع كيف تكون الكلمة مسئولية.
وأمام هذه الأحداث المتتابعة يجب أن نثق بقوة الأمة المؤيدة بنصر الله، ونستيقن بوعده، ولا يصح أن يكون التحليل السياسي مخذلّا للأمة، ويكون حربا عليها لا معها. ولذلك كله، فإننا جميعا مدعوون نحو الحشد مع الموقف المشروع ضد المحتلين وضد العملاء، سواء توفرت المعلومات التحليلية الوافية، أو غابت، ونحن يجب أن نكون منحازين ومندفعين ضد المحتلين وضد العملاء، ولا يصح أن نكون في خانة المحللين (الموضوعيين) الذين لا يكون همهم إلا المعلومة ولا يتعدى دورهم فهمهما ونقلها ووضعها في سياقها، دون دفع الناس نحو موقف واع مخلص.
إن الوعي السياسي يقتضي من المتابع أن يكون منحازا لفكرة يحملها ويقتنع بها ولا يتخذ موقفا من الأحداث إلا وهو يستند إليها، ولا يصح له أن يهملها أبدا في أية لحظة يكون فيها منهمكا بقراءة الوقائع السياسية ومتابعتها. وهذه الفكرة الإسلامية توجب على الأمة هبة ثورية تجاه الحكام وهبة جهادية تعتمد على طاقات الأمة وجيوشها تجاه المحتلين، وهي البوصلة التي تحدد وجهة الأحداث، والمقياس الذي نقيس به تلك الأحداث.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق